المتابعون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.


 

الشيخ ياسين التهامى
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد الشيخ ياسين في 6 / 12 / 1949 م ببلدة الحواتكة – مركز منفلوط – محافظة أسيوط
والحواتكة هي إحدى قرى مركز منفلوط الكبيرة , يجمع أهلها رباط الاتحاد والتعاون , وإن اختلفت وجهات نظرهم يعمل أهلها بالزراعة والصناعة . ولدى طائفة منهم وعي سياسي وثقافي
وقد قال عنها علي باشا مبارك – في الخطط التوفيقية
قرية كبيرة من مديرية أسيوط بقسم منفلوط , على الشاطئ الغربي للنيل في شرقي الإبراهيمية في جنوب منفلوط بأقل من ساعة , وأبنيتها من أحسن الأبنية الريفية , وفيها قصور مشيدة وبها نخيل وأشجار وجنات , وأطيانها جيدة المحصول
وبها مساجد جامعة ومساجد غير جامعة منها مسجد السلام ومسجد الشيخ أبي الحسن المحمدي , ومسجد الشيخ التهامي – وله مئذنة تعد أعلى مئذنة بالوجه القبلي بالصعيد
وبقرية الحواتكة العديد من أضرحة أولياء الله الصالحين , وتقام لهم موالد سنوية , يستقبل فيها أهالي القرية الرواد من كافة أنحاء الجمهورية , وتظل القرية في أفراح طوال أيام الموالد من كل عام
ومن الأضرحة الموجودة بها : ضريح الشيخ التهامي حسانين [ وهو والد الشيخ ياسين التهامي ] وضريح الشيخ أبي الحسن المحمدي , والشيخ عبد رب النبي , والشيخ الحلوى , والشيخ الريدي وغيرهم
ومعظم أبناء القرية ينتمون إلى الطرق الصوفية ومن عشاق ومحاسيب آل البيت , ويقومون بإقامة الخدمات أثناء موالدهم

النشأة وتأثيرها على شخصية الشيخ


نشأ الشيخ في بيت ديني وعائلة ينتسب أهلها إلى التدين , وأهم هذه العائلة هو والد الشيخ , الذي كان من أولياء الله الصالحين ومن الزهاد والعابدين بشهادة كل من رآه
وكان لهذا الجو الديني تأثير عميق في نفس شيخنا , فقد نشأ وتربى في جو يسوده التدين وحب وذكر الله , وذلك من خلال ليالي الذكر التي كان يقيمها والده في المناسبات الإسلامية , مثل المولد النبوي الشريف وغيرها من المناسبات الدينية .
ومن هنا دفع به والده إلى أن يتلقى تعليمه بالمعاهد الأزهرية حتى وصل إلى السنة الثانية في المرحلة الثانوية الأزهرية , وكان ذلك عام 1970 م . ثم انقطع عن الدراسة لظروف خاصة
وخلال هذه الفترة من عمر الشيخ كان مولعا بالشعر الصوفي , والذي كان يسمعه من والده وممن يحضرون ليالي الذكر التي كان يقيمها والده , ثم ظل لمدة عامين متأملا ومنقطعا لقراءة أشعار المتصوفة الكبار من أمثال : سيدي عمر بن الفارض , وسيدي الحلاج , وسيدي السهروردي , وسيدي محي الدين بن عربي وغيرهم من أقطاب الصوفية الكبار الذين كان لهم الفضل وكان لهم أكبر الأثر في تكوين شخصيته في هذه الفترة السنية التي يبنى فيها عقل الإنسان وتتشكل فيها شخصيته
الصبا وبوادر الموهبة
على الرغم من أن الشيخ قد ترك تعليمه الأزهري في السنة الثانية من المرحلة الثانوية , إلا أن هذه الفترة من التعليم كانت خير معين له في رحلته التي شاء القدر أن يسيره فيها
فقد حفظ القرآن الكريم وتجويده , وعرف كيف يجود القرآن الكريم بصوت جميل , كما ساعده حفظ القرآن الكريم على إنماء ملكة الحفظ لديه التي كانت عاملا مهما بالنسبة له فيما بعد

وكانت اللغة العربية وقواعدها التي درسها على أيدي أساتذة أجلاء من علماء الأزهر الشريف قد ساعدته على عبور حاجز الرهبة لهذه اللغة الجميلة – لغة القرآن – كما ساعدته على معرفة أصول اللغة وقواعدها وكيفية نطقها نطقا سليما

وكانت فترة الانقطاع التي عكف فيها الشيخ على دراسة الشعر الصوفي وقراءته والتأمل فيه وفي معانيه التي غالبا ما تكون لسان حال قائليها من كبار رجال التصوف وما في هذه الأشعار من تهذيب للنفس والروح والارتقاء بها إلى أسمى المراتب والمراقي
وعندما سئل في إحدى المحطات الإذاعية الفرنسية عن تعريفه للشعر الصوفي الذي يعشقه ويشدوا به استشهد ببيت من الشعر يقول

تزين ألفاظه معانيه *** وألفاظه زائنات المعاني

أما عن الشعراء الذين ينشد لهم فقد قال عنهم : أنا لا أقول إن هؤلاء شعراء إنما هم لسان حال فهم أكبر من أن يكونوا شعراء هم لسان حال واضح وفصيح صادر عن منابع كلها صدق ولا زالت حية وموجودة إلى يوم الدين

وكانت هذه هي البداية فقد بدأ الشيخ يترنم بينه ويبن نفسه بهذه الأشعار وتجويد بعض آيات القرآن الكريم . وكانت نقطة التحول في حياة الشيخ حيث كانت إحدى الليالي التي كان يقيمها والده , وبالتحديد ليلة المولد النبوي , فأخذ يقول مثلما يقوله هؤلاء الذاكرون , ومن هنا وجد الشيخ نفسه مندفعا إلى حلقة الذكر منشدا
هو الحب فاسلم بالحشى ما الهوى *** سهل فما اختاره مضني به وله عقل
وعـش خـاليا فالحـب راحـته عــنا *** فـأوله سقـــم واخــــره قـتــل


كانت هذه هي البداية في هذا الطريق بهذه الكلمات لسلطان العاشقين – سيدي عمر بن الفارض – الذي يعد أكثر المتصوفة تأثيرا في نفس شيخنا
نجم الشرق وكوكب الشرق ** مفارقات

مما لا شك فيه أن الشيخ ياسين التهامي يعد ظاهرة فريدة في عالم الغناء والطرب وفي عالم الإنشاد الديني خاصة , وذلك ما صرحت به الصحافة الأسبانية حيث أطلقت عليه ( ياسين العظيم ظاهرة الشرق ) وقريب من هذا مقال نشر بمجلة نصف الدنيا المصرية عنوانه ( ظاهرة في مصر اسمها ياسين التهامي ) 000

والمتأمل في قصة حياة هذا الرجل يجد فيها موافقات متعددة وأوجه شبه كثيرة بينه وبين العملاقة سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم , فكلاهما قد حقق معادلة صعبة في عالم الفن والغناء فمن السهل أن يصل الإنسان إلى الشهرة والنجاح , أما الصعب هو أن يحافظ الإنسان على هذا النجاح وأن يقدر على صنع أرضية ثابتة يجتمع عليها المثقفون وعامة الناس والأميون وأن يقدم فنا تتفق عليه كل الأذواق هذه المعادلة الصعبة لم تتحقق في عالم الغناء بكل أجناسه إلا مع أم كلثوم , ثم جاء ياسين التهامي من قلب الصعيد بصوت دافئ ينقل أشعار المتصوفة العظام ( الحلاج وابن الفارض والسهروردي ورابعة العدوية والجيلي ) جاء بصوته الذي يجمع بين وهج حرارة الصعيد وألق شعراء لم يجد الزمان بمثلهم يصدح بصوت العشق والهوى ويغرد للأرواح العطشى للرحيل خلف صبابة الحب الإلهي

ويمكن أن نرصد بعض أوجه الشبه بين الظاهرتين ( أم كلثوم وياسين التهامي ) وذلك من عدة نواحي :

1

عند ظهور السيدة أم كلثوم وانطلاقها في عالم الغناء في مطالع العشرينات من القرن الماضي كانت هناك على الساحة ملكة متوجة للغناء هي سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) 0
ومن الموافقات الطريفة أن يكون ظهور الشيخ ياسين وبدايته في مجال الإنشاد الديني في وجود عملاق في هذا الفن له جمهوره العريض وله محبوه في كل مكان من أرض مصر ؛ هذا العملاق هو الشيخ أحمد التوني , وهو ابن قرية الحواتكة أيضا وله دوره ومدرسته في فن الإنشاد الديني , وهو – كما وصف في كتاب الهلال عدد ديسمبر 1995 - " أحد أعلام الإنشاد وصاحب الصوت الدافئ الأجش الذي يذكرنا بصوت الشيخ زكريا أحمد " 0

ولكن الشيخ ياسين في ظل وجود الشيخ أحمد التوني نجده يسلك مسلكا متفردا بعيدا عن أسلوب الشيخ التوني , ويصبح بهذا الأسلوب صاحب مدرسة أخرى هي إحدى مدرستين للإنشاد الديني في مصر

2

وجه الشبه الثاني بين التهامي وأم كلثوم هو ارتقاء كل منهما بالفن الذي التحق به فأم كلثوم عند ظهورها كانت تنتشر موجة من الأغاني الهابطة الركيكة التي لا ترقى إلى المستوى الذوقي المطلوب , حتى الأغاني التي اشتهرت بها سلطانة الطرب ( منيرة المهدية ) كانت خالية من الكلمة الهادفة وإنما كانت تغني كلاما عندما تسمعه يطربك صوتها الجميل ولكن دون حس ينقله إليك ولا شعور يبثه فيك ولا يمكن أن يكون له وقع لديك , فقد كانت تغني لتطرب أذنك وحاستك المادية فقط , كما كانت ( السلطانة ) عامية النطق والإشارة عامية المفاهيم
فبينما كانت تتغنى بأشهر أغانيها
أوعى تكلمني بابا جي ورايا
يآخد باله مني يـزعـل ويايا


أو أغنيتها التي تقول فيها
متخافش علـيّا ده أنا واحده سبوريا
في العشق يا إنت واخده الباكالوريا




بينما كانت تغني هذه الأغاني وغيرها من الأغاني ذات المستوى الذوقي الهابط تأتي أم كلثوم بكل ما أعطاها الله من صوت نادر في امتيازه سواء في الجمال أو في سلامة اللغة العربية وتنطلق بالغناء بقصيدة باللغة العربية الفصحى مثل
وحقك أنت المنى والطلب *** وأنت المراد وأنتا الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة *** تحير في وصفها كل صب


أو مثل قصيدة
غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر
لي في الغـرام ســـــريرة *** والــله أعـــــلم بالسـرائـر


ومع هذا فقد أبهرت الجميع ونجحت مع وجود كل هذه العقبات , واستطاعت أن تنقل الشعب الذي تعود على استماع الأغاني العامية التي لا هدف منها إلى استماع القصائد الجادة

وإذا نظرنا إلى الشيخ ياسين التهامي نجده أيضا قد ظهر في فترة مظلمة لفن الإنشاد الديني , لم يكن فيها كثير من الأسماء المشهورة ولم يكن لهذا الفن أي أثر يذكر , وكان المسيطر على هذا الفن – كما قلنا – هو الشيخ أحمد التوني الذي ورث هذا الفن عن سابقين من أمثال الشيخ الغنيمي والشيخ الشبيتي وآخرين

ولكن الإنشاد في هذه الفترة كان يأخذ طابعا عاميا بسيطا يعتمد على لحن معين أو نغمة معينة يلتزم بها المنشد ولا يغيرها مع اعتماده في أغلب الأحيان على الكلام العامي

يقول الشيخ الغنيمي في بعض أناشيده
عجبي على ناس لا صاموا ولا صلوا
وعدوا البحر ع المنديل ما ابـــتلوا
وفي آخر الليل في حرم النبي صلوا


ويقول الشيخ أحمد التوني في بعض أناشيده
رنيــت يا كاس قلى ســبب رنك
رنــيت وحدك ولا الهوى رنـــــــك
يا ساهر الليل قوم حرص على دنك
لحسن يقوموا السهارى يشربوه منك


ولم يستهو هذا النوع من الكلام الشيخ ياسين التهامي , ولكنه قرر أن يرتقي بهذا الفن ويدخل فيه ما حفظه في صباه من كلام أعلام الصوفية الكبار الذين يمدح في ساحاتهم فنجده بدأ في أولى حفلاته بقصيدة للسهروردي مطلعها

أبدا تحن إليكم الأرواح *** ووصالكم ريحانها والراح

أو نجده يتغنى بقصيدة لسلطان العاشقين سيدي عمر بن الفارض مثل

ما بين معترك الأحداق والمهج *** أنا القتيل بلا إثم ولا حرج

ومع أن هذا الكلام يصعب فهمه إلا على المتعلم الدارس لأصول اللغة العربية ؛ إلا أن التهامي بأسلوبه العذب وبإحساسه الذي يبلغ ذروته وهو في حالة الإنشاد نجد أن كل مستمعيه ينجذبون إليه ويتمايلون معه في نشوة ساحرة يرددون ما يسمعونه منه ولو لم يفهموا معناه إلا أنهم يحسونه

3

من الموافقات التي بين كوكب الشرق ونجم الشرق أن الشيخ ياسين قام بإنشاد بعض القصائد التي غنتها أم كلثوم ومن هذه القصائد

( 1 )

غيري على السلوان قادر *** وسواي في العشاق غادر

غنتها أم كلثوم وهي من كلمات سيدي عمر بن الفارض ولحنها لها الشيخ أبو العلا محمد وغناها الشيخ ياسين في كثير من حفلاته بألحانه

( 2 )
ما لي فتنت بلحظـك الفتـاك *** وسلوت كـــل ملــيحـة إلاك
يسراي قد ملكت زمام صبابتي *** ومضلتي وهداي في يمناك


كلمات الشاعر على الجارم غنتها أم كلثوم ولحنها لها الملحن الهاوي الدكتور صبري النجريدي وأنشدها أيضا الشيخ ياسين بألحانه

( 3 )

ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء

رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي وقد اختارت أم كلثوم بعض أبيات هذه القصيدة ولحنها لها الملحن العبقري رياض السنباطي , واختار منها الشيخ ياسين التهامي بعض الأبيات وأنشدها بألحانه

( 4 )

سلوا قلبي غداة سلا وثابا *** لعل على الجمال له عتابا

كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وقد لحنها لأم كلثوم العبقري رياض السنباطي أيضا . واختار الشيخ بعضا منها وأنشدها بألحانه

( 5 )

غريب على باب الرجاء طريح *** يناديك موصول الجوى وينوح

وهي كلمات الشاعر طاهر أبو فاشا , غنتها أم كلثوم ولحنها لها الموسيقار كمال الطويل , وكذلك أنشدها الشيخ ياسين التهامي بألحانه وأسلوبه

****


اذا اعجبتك هذه التدوينة فلا تنسى ان تشاركها وتساعدنا على نشر المدونة ، كما يسعدنا ان تنضم الى قائمة المشاركين في سما بلوجر من خلال (نشرات rss)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search