المتابعون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

 
 
وهم التحكم

يلخص الكتاب جملة من الأسباب الكامنة وراء نزوع السياسة الأميركية للجوء إلى القوة لدعم وإسناد المصالح الأميركية، وينفي أن تكون هذه النزعة إلى العنف لدى الولايات المتحدة الأميركية مرتبطة بأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، بل يؤكد أنها بدأت قبل ذلك، وأنها مرتبطة بالتفوق العسكري التكنولوجي الأميركي المغري باستخدام القوة والسعي للهيمنة العالمية.

القوة والسياسة الخارجية الأميركية
دأب صانعو القرار والسياسات الأميركية على إبداء قدر كبير من الرغبة في استخدام القوة العسكرية أداة في السياسة الخارجية على نحو يفوق كثيرا التهديدات الإرهابية الموجهة ضد الولايات المتحدة الأميركية.

تقوم دبلوماسية عرض القوة على ثلاث تطورات أساسية، هي:
1- التحديات الجديدة المتوقعة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي تدعو إلى استباقها بعمل عسكري وقائي يمنع بروز أقطاب عالمية جديدة تنافس الولايات المتحدة الأميركية.
2- العداء المتنامي للولايات المتحدة الأميركية، والرغبة العالمية الكبرى بتقليل أو إلغاء هيمنتها وقيادتها العالمية تولد ردود أفعال لدى المسؤولين الرسميين تجاه العمل العسكري المفرط والاستعراضي.
3- التطور التكنولوجي القائم على المعلوماتية والذي جعل من الإمكانات والخيارات العسكرية أمرا مدهشا ومغريا.

تحولات الإستراتيجية الأميركية
شهدت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أربع حلقات رئيسة،

 أولها اعتبار الشؤون العسكرية شأنا دبلوماسيا للتعامل مع تحول الحرب إلى تدمير كلي، لتكون الترسانة العسكرية الأساسية محصورة بردع الحرب، واعتبار قيامها إخفاقا مرعبا للدبلوماسية.

وجاء التحول الثاني ردا على التفكير المستند إلى مفهوم الردع ناتجا عن الحاجة المتصورة إلى تطوير خيارات عسكرية لا تنطوي على حرب شاملة من أجل التصدي للحركات التوسعية للاتحاد السوفياتي وحلفائه، وتعبر عن هذا التحول الحرب الكورية في الخمسينيات التي كانت حربا محدودة لغايات الرد المرن والتصعيد التدريجي لتفعيل الردع أساسا.

وجاء التحول الثالث بعد الإخفاق الأميركي في فيتنام، وقد عبر عن السياسة الجديدة وزير الدفاع الأميركي الأسبق كاسبار واينبرغر عام 1984، وتقوم على عدم الدخول في حرب إلا في حالة الدفاع عن المصالح الأميركية الحيوية، وعندما تكون الحرب هي الملاذ الأخير، مع توفير التأييد الشعبي الكافي والغطاء البرلماني والالتزام بتأمين الموارد اللازمة لتحقيق الهزيمة الساحقة للعدو.

وجاء التحول الرابع في الفترة الثانية من ولاية الرئيس كلينتون، وهو توسيع مجال مفهوم الأمن القومي ليصبح شاملا أكثر من الولايات المتحدة والأمكنة والمرافق الخارجية ذات الأهمية الجوهرية لأمن ورخاء الولايات المتحدة الأميركية، واعتبرت القوة العسكرية أداة طيعة في خدمة الدبلوماسية بدلا من أن تكون نقيضتها.

البنية المتغيرة للسياسة العالمية
لا تبدو التهديدات الموجهة إلى مصالح الولايات المتحدة الأميركية والتي تسوغ ردا عسكريا غير مرشحة أن تصدر عن قوة كبرى باستثناء الصين أو روسيا، وعلى المدى المنظور في المستقبل تبقى مصادر التحركات المهددة لمصالح الولايات المتحدة الأميركية من قوى متوسطة أو حركات سياسية عنفية، فالتهديد الواقع أو المحتمل ليس بأساطيل وجيوش .

فبينما تتكاثر التهديدات الموجهة إلى مصالح الولايات المتحدة الأميركية يتمخض تحول سياسة العالم من الثنائية القطبية للحرب الباردة إلى نظام بلا أقطاب عن النتيجة المتمثلة بجعل استخدام الولايات المتحدة يبدو أقل خطرا، ففي ظل نظام الحرب الباردة كانت الحرب في أي مكان تنطوي على احتمال شمل العالم كله، أما في ظل النظام التعددي القائم على اللامركزية بتحالفاته المهلهلة والمتقاطعة والمتداخلة، فإن الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تتدخل في الصراعات المحلية أو تبقى خارجها دون أي خوف من التسبب بأي حريق عالمي.

وبقيت ردود أفعال الولايات المتحدة الأميركية على البنية المتغيرة للسياسة العالمية مضطربة ومفتقرة إلى الاطراد والثبات، فالردود الأميركية العاكسة لسلسلة من التغييرات في القيادة والنظرة العالمية على أعلى المستويات في صنع القرارات السياسية منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين ظلت تتقلب على امتداد بعدين اثنين: بعد تعددي مقابل بعد أحادي، وبعد انعزالي مقابل تعد تدخلي قائم على عقيدة السلام الأميركي، وكان ثمة تحول غامض عن التعددية نحو الأحادية، وعن نزوع انعزالي نحو الاضطلاع بدور الشرطي العالمي.

الشكل المتغير للحرب
تختلف القدرات العسكرية المطلوبة لمواجهة تهديدات عالم التعددية القطبية عن القدرات التي كانت مطلوبة لاحتواء قوة عظمى واحدة منافسة، وقد أدت الابتكارات العسكرية إلى إغراء صانعي القرار الأميركي باستخدام القوة استباقا لتأمين المصالح الأميركية الواسعة وخدمة أغراضها فيما يخص النظام العالمي العام.

وظل الإستراتيجيون ودارسو الشؤون العسكرية دائبين على مناقشة الابتكارات المطلوبة أو الحاصلة، وكل هذا يبقى أقل أهمية من التوجه الأساسي للتغير، فقد أظهرت تطورات ذات شأن كما في أفغانستان ضرورة توسيع دائرة الحرب لتشمل مزيدا من الخيارات على الصعيدين الدموي وغير الدموي، ومزيدا من التمايز في طيف الحرب، من حيث النمط ودرجة العنف، ومزيدا من التنسيق بين الأسلحة والأجهزة المختلفة والعمليات المشتركة في جميع البيئات الأرضية والبحرية والجوية والفضائية، ومزيدا من التكامل في القيادة والتحكم رأسيا من القيادات العليا إلى نظيرتها المنطقية والوظيفية وصولا إلى القوات الميدانية، وأفقيا فيما بين القيادات والوحدات القتالية الميدانية.

وتساعد تكنولوجيا المعلوماتية في تحقيق وعد التكامل والمرونة للعمليات، فثمة طائرات بلا طيارين، وقدرة متنامية على القتال على نحو مستقل، وأسلحة موجهة بدقة مطلقة من منصات بعيدة مقلصة الحاجة إلى الاختيار بين اختزال الإصابات في صفوف الجنود الأميركيين إلى الحدود الدنيا، وتقليص الخراب الجانبي بالمدنيين في المنطقة المستهدفة.

تراث الحرب العادلة
تقتضي تقاليد الحرب العادلة وتراثها ألا تصدر الأوامر إلى قوات البلاد المقاتلة إلا بعد أن يمر القرار بعدد من الاختبارات الصارمة، وأن تكون الحرب لأجل قضية عادلة وبنوايا سلمية، ويجب أن تتخذ القرار كيانات سياسية تحظى بقدر واسع من الاعتراف بأنها صاحبة حق في إلزام أتباعها بخوض المعارك، أي أنها سلطة شرعية وصحيحة، ويجب أن يكون التحرك العسكري مدروسا من قبل خبراء متمكنين، ويقررون احتمال نجاحه.

ويفرض التراث كذلك جملة من المبادئ المصممة لإبقاء الحروب بعد إطلاقها في منأى عن الانزلاق إلى مهاوي نوبات التدمير، ومن ذلك حصانة المدنيين، فيحظر قتل أو جرح من ليس طرفا في قوات العدو المقاتلة.

ولكن التوجهات السياسية والتقنية الصاعدة جعلت تعاليم الحرب العادلة أكثر لبسا وتعقيدا، فإذا كانت الترسانة الأميركية تشتمل على قائمة طويلة من الأسلحة التي يمكن إصابة الهدف بها بدقة دون مخاطرة بإلحاق الأذى بالمدنيين والمنشآت المدنية، فهل يؤدي ذلك إلى اختزال الأهمية الأخلاقية والمعنوية لعبور العتبة الفاصلة بين الإكراه غير العنيف والحرب؟

ثمة توجهات سياسية وعسكرية راهنة أخرى تشير إلى ضرورة إعادة تأكيد مبادئ تراث الحرب العادلة وتعزيزها وتكييفها بما يجعلها متناغمة مع الظروف المعاصرة، ومع صيرورة الحرب التي زاد اعتمادها على التكنولوجيا المعلوماتية فإن كثيرا من الأعمال التي تعتمد عليها الحرب يقوم بها مدنيون، وكذلك فإن تدمير البنى التحتية للعدو مثل الطرق والجسور والسكك الحديدية والسدود بهدف تدمير إرادة العدو وإضعاف قدرته على القتال يثير سلسلة من قضايا الحرب العادلة.

ويصعب التمييز تماما بين العسكري والمدني، وبخاصة في حالة الاستخدام المشترك للمدارس والمستشفيات والمؤسسات الدينية.

الاستخدام الحكيم للقوة العسكرية
يقدم المؤلف أفكارا لترشيد الحرب المعاصرة، وأهمها الفصل بين الدبلوماسية وبين العنف والحرب، والوزن المتأني لجملة القيم المعرضة للخطر، وتقويم البدائل غير العسكرية، وتحليل التكاليف والمخاطر لسلسلة العمليات العسكرية المخططة قبل إقحام البلاد في أنواع الحرب، وضرورة أن تكون الولايات المتحدة الأميركية مستعدة بكل ما هو مطلوب فيما بعد الحرب من مسؤوليات وموارد لاستعادة الحد الأدنى من الحياة المتحضرة.

على الأقل حيثما تعرضت هذه الحياة للتمزق الشديد بسبب الحرب، والالتزام بقواعد الحرب التي تحرم مواجهة المدنيين العزل، وتوسيع دائرة التحريم لتشمل الهجمات غير المباشرة، والوضوح في تحديد وتعزيز "قواطع النار" بين الأنواع والمستويات المختلفة للحرب.

مع التأكد من انعكاسها بوضوح على عمليات الانتشار والإستراتيجيات والتدريب العسكري والألعاب الحربية، وإدخال التعليمات السابقة في عمليات البحث واتخاذ القرارات التي تلعب دورا حاسما في حل مسألة استخدام القوة وكيفية استخدامها داخليا ودوليا.

مراجعة الإستراتيجية الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر
قدم بول ولفويتز نائب وزير الدفاع الأميركي شهادة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وعرض فيها جملة التوجهات الجديدة الواردة في مراجعة الإستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة الأميركية، وتندرج في أربع نقاط:

1- الإعداد لمسرح حربين كبيرتين قائم على الاحتفاظ بقوات قادرة في وقت واحد تقريبا على اجتياح واحتلال عاصمتي خصمين إقليميين وتغيير نظامهما، والردع في أربعة مسارح حساسة، مدعوما بالقدرة على إلحاق الهزيمة السريعة ببلدين معتديين في الإطار الزمني نفسه، مع الحفاظ على خيار هجوم كبير واحد لاحتلال عاصمة بلد معتد واستبدال نظامه، وبإلغاء شرط الاحتفاظ بقوة احتلال ثانية نكسب قدرا من المرونة في التخطيط لطيف أوسع من الاحتمالات، كما نكسب مرونة أكثر في التطلع إلى المستقبل.

2- وضع إطار جديد قابل لطرح مخاطر أخرى على بساط البحث، وحددت هذه المخاطر بأربعة أصناف: إدارة القوى المتعلقة بكيفية الحفاظ على الشعب الأميركي والمعدات والبنى التحتية الأميركية، والمخاطر العملياتية ذات العلاقة بقدرة القوات الأميركية على إنجاز المهمات المطلوبة في الخطط العسكرية قريبة المدى، والتحديات المستقبلية الخاصة بالتطلعات مع التغييرات المطلوبة اليوم والتي تتيح فرصة التعامل مع التحديات العسكرية التي ينطوي عليها المستقبل، والمخاطر المؤسساتية المرتبطة بالإمكانيات المفتقرة إلى الكفاءة وبشروط الدعم المفرطة التي تعرض للخطر قدرة القوات الأميركية المرتبطة بالإمكانيات المفتقرة إلى الكفاءة وبشروط الدعم المفرطة التي تعرض للخطر قدرتها على استخدام الموارد بكفاءة.

3- التحول من التخطيط القائم على أساس التهديد إلى نموذج التخطيط على أساس القدرات، وذلك لمواجهة حالة عدم اليقين من التهديد القادم ومكانه والقائمين عليه، ولكن يمكن تحديد القدرات التي يمكن للأعداء أن يهددوا بها.

4- تحسين قدرة القوات الأميركية على الهيمنة على أرض المعركة بإجراء تغييرات جذرية وثورية في تقنيات السلاح والأدوات، والتغلب على تحديات المسافات البعيدة والجغرافيا، والحصول على ميزات جديدة لا نظير لها واختزال كثير من نقاط الضعف القائمة.

وحددت الإستراتيجية الجديدة أيضا ستة أهداف هي:


1- الدفاع عن الولايات المتحدة الأميركية وقواعد العمليات الأخرى، وإلحاق الهزيمة بالأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية ووسائل إيصالها.
2- حرمان الأعداء من الملاذات الآمنة، وتجريدهم من القدرة على الفرار والتخفي في أي وقت وفي أي مكان.
3- نشر وإبقاء قوات في مسارح نائية في مواجهة أخطار الحرمان من إمكانية الوصول.
4- إجراءات فعالة في الفضاء.
5- إجراء عمليات معلوماتية ناجحة .
6- تفعيل تكنولوجيا المعلومات لتمكين القوات الأميركية من امتلاك صورة عملياتية مشتركة.

المصدر : الجزيرة

 



اذا اعجبتك هذه التدوينة فلا تنسى ان تشاركها وتساعدنا على نشر المدونة ، كما يسعدنا ان تنضم الى قائمة المشاركين في سما بلوجر من خلال (نشرات rss)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Search